کد مطلب:167540 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:273

استشهاد الأصحاب
وخطب فیهم خطبة أخری، وأتمّ علیهم الحجّة فما أفاد فیهم الكلام ثم أناخ راحلته، ودعی بفرس رسول الله (صلّی الله علیه وآله) المرتجز فركبه، فعند ذلك تقدّم عمر بن سعد وقال: یا درید أدن رایتك ثم أخذ سهماً ووضعه فی كبد القوس وقال: اشهدوا لی عند الأمیر فأنا أول من رمی الحسین، فاقبلت السهام من القوم كأنها شآبیب المطر، فقال الحسین لأصحابه: قوموا رحمكم الله فإن هذه السهام رسل القوم إلیكم.

فاقتتلوا ساعة من النهار حملةً وحملةً، فلما انجلت الغبرة وإذا بخمسین من أصحاب الحسین صرعی، فعند ذلك ضرب الحسین بیده علی لحیته الكریمة وقال: (اشتدّ غضبُ الله علی الیهود إذ جعلوا له ولدا، واشتدّ غضبه علی النصاری إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتدّ غضبه علی المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر، واشتدّ غضبه علی قوم اتّفقت كلمتهم علی قتل ابن بنت نبیهم، أما والله لا أجیبهم إلی شیء ممّا یریدون حتی ألقی الله وأن مخضّب بدمی).

ثم جعل أصحاب الحسین یبرزون واحداً بعد واحد، وكل من أراد منهم الخروج ودّع الحسین وقال السلام علیك یا أبا عبدالله. فیجیبه الحسین: وعلیك السلام ونحن خلفك، ثم یتلو: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَی نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِیلاً).

ولا یبرز منهم رجلٌ حتی یقتل خلقاً كثیراً من أهل الكوفة، فضیّقوا المجال علی الأعداء حتی قال رجل من أهل الكوفة یصفهم:

ثارت علینا عصابةُ أیدیها علی مقابض سیوفها، كالأسود الضاریة تحطّم الفرسان یمیناً وشمالاً، وتلقی أنفسها علی الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب فی المال، ولا یحول حائل بینها بین الورود علی حیاض المنیة، والاستیلاء علی الملك، فلو كففنا عنها رویداً لأتت علی نفوس العسكر بحذافیرها).

ونعم ما قیل فی حقّهم:



قـــــــومٌ إذا نـــــودوا لــــدفع ملمّةٍ

والخـــــیل بـــین مدَعّسٍ ومكردس



لبسوا القـلوب علی الدروع وأقبلوا

یـــــتهافتون عـــلی ذهاب الأنفس



وأقبل الحرّ بن یزید الریاحی إلی عمر بن سعد وقال: یا عمر أمقاتل أنت هذا الرجل؟

قال: إی والله قتالاً أیسرهُ أن تطیر الرؤوس وتطیح الأیدی.

فقال الحر: أفمالكم فیما عرضه علیكم رضی؟

قال عمر: أما لو كان الأمر لی لفعلت، ولكن أمیرك أبی.

فاقبل الحرّ حتی وقف موقفاً من الناس، فأخذ یدنو من الحسین قلیلاً قلیلاً، فقال له المهاجر بن أوس: ما ترید أن تصنع؟ أترید أن تحمل علیه؟

فلم یجیبه الحر، وأخذه مثل الإفكل وهی الرعدة، فقال له المهاجر: إن أمرك لمریب، والله ما رأیت منك فی موقف قطّ مثل هذا، ولو قیل لی من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذی أراه منك؟!

فقال الحر: إنی والله أخیّر نفسی بین الجنّة والنار؛ فوالله لا أختار علی الجنة شیئاً ولو قُطّعتُ وحُرّقت.

ثم ضرب فرسه قاصداً نحو الحسین ویده علی رأسه وهو یقول: اللهم إلیك أنبتُ فتُبْ علیّ، فقد أرعبتُ قلوب أولیائك وأولاد بنت نبیّك، فلما دنی من الحسین قال له: من أنت؟ قال: جعلنی الله فداك أنا صاحبك الذی حبستك عن الرجوع وسایرتك فی الطریق وجعجعتُ بك فی هذا المكان، وما ظننت أن القوم یردون علیك ما عرضته علیهم ولا یبلغون بك هذه المنزلة، وأنا تائبٌ إلی الله ممّا صنعتُ، فتری لی من ذلك توبة؟ قال: نعم یتوب الله علیك فانزل.

قال: أنا لك فارساً خیر منی لك راجلاً أقاتلهم علی فرسی ساعة وإلی النزول یصیر آخر أمری، فقال له الحسین: فاصنع رحمك الله ما بدا لك.

فاستقدم أمام الحسین فقال: (یا أهل الكوفة لأّمكم الهُبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح حتی إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه عدوتم علیه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجّه إلی بلاد الله العریضة، فصار كالأسیر المرتهن لا یملك لنفسه نفعاً ولا یدفع عنها ضراً، وحلأتموه ونساءه وصبیته عن ماء الفرات الجاری الذی تشربه الیهود والنصاری والمجوس، وتمرغ به خنازیر السواد وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلّفتم محمداً فی ذریّته، لا سقاكم الله یوم الظمأ الأكبر).

فحمل علیه رجال یرمونه بالنبل، فأقبل حتی وقف أمام الحسین واستأذن قائلاً: یابن رسول الله كنت أول خارجٍ علیك، فأذن لی لأكون أول قتیلٍ بین یدیك، وأول من یصافح جدّك غداً، فأذن له الحسین فبرز مرتجزاً:



إنــــیّ أنا الحرّ ومأوی الضیف

أضـــرب فــی أعناقكم بالسیف



عن خیر من حلّ بأرض الخیف

أضــــربكم ولا أری مــن حیف



وحمل علیهم وقتل منهم نیفاً وأربعین رجلاً، فعقروا فرسه فجعل یقاتلهم راجلاً، ثم شدّت علیه عصابة فقتلوه، فلما صرع وقف علیه الحسین ودمه یشخب، فجعل الحسین یمسح الدم والتراب عن وجهه وهو یقول: بخٍ بخٍ یا حر، أنت الحر كما سمّتك أمك، وقضی نحبه وحملته عشیرته ودفنته.

وبرز بریر بن خضیر الهمدانی بعد الحر، وكان من عباد الله الصالحین فجعل یحمل علیهم ویقولك (اقتربوا منی یا قتلة أولاد رسول الله وذریته الباقین)، حتی قتل منهم ثلاثین رجلاً فخرج إلیه یزید بن المغفّل أو معقل، وقرّرا المباهلة إلی الله فی أن یقتل المحقّ منهما المبطل، فقتله بریر، ثم حمل علیه القوم وقتلوه رحمه الله.

ثم برز مسلم بن عوسجة وجعل یقاتلهم قتالاً شدیداً، وبالغ فی قتال الأعداء وصبر علی أهوال البلاء، حتی سقط صریعاً فمشی إلیه الحسین ومعه حبیب بن مظاهر وبه رمق من الحیاة، فقال له الحسین: رحمك الله یا مسلم، فمنهم من قضی نحبه ومنهم من ینتظر وما بدّلوا تبدیلاً، ثم دن منه حبیب ابن مظاهر وقال: یعزّ والله علیّ مصرعك یا مسلم أبشر بالجنة، فقال مسلم ـ بصوت ضعیف ـ: بشّرك الله بالخیر، فقال حبیب: لو لا أعلم أنی فی الأثر لأحببت أن توصی إلیّ بكل ما أهمّك، فقال مسلم: أوصیك بهذا (وأشار إلی الحسین) قاتل دونه حتی تموت. فقال حبیب لأنعمنّك عینا.



نصــــروك أحیاءً وعند مماتهم

یوصی بنصرتك الشفیق شفیقا



أوصــی ابن عوسجةٍ حبیباً قال

قـــاتل دونه حتی الحِمام تذوقا



ونادی أصحاب عمر بن سعد ـ مستبشرین ـ: قد قتلنا مسلم بن عوسجة، فصاحت جاریة له وا سیّداه، یابن عوسجتاه.

فلما سمع ابنه ذلك دخل عند إمّه وهو یبكی فقالت: ما یبكیك؟ قال: أرید الجهاد، فقامت أمّه وشدّت سیفاً فی وسطه وقالت: أبرز یا بنی فإنك تجد رمحاً مطروحاً بین أطناب المخیّم. فخرج وأراد حمل الرمح فلم یتمكّن، وجعل یسحبه علی الأرض سحباً، فبصر به الحسین فقال: إن هذا الشاب قد قتل أبوه فی المعركة وأخاف أمّه تكره برازه فقال الغلام: یا سیدی إنّ أمی ألبستنی لامة حربی فبرزَ مرتجزاً:



أمیــــری حســــین ونعم الأمیر

ســـــرور فـــؤاد البشیر النذیر



عــــــلیّ وفــــــاطمـــــة والداه

فهــــــل تــــعلمون له من نظیر



لـــه طـلعة مثل شمس الضحی

لـــــه غـــــرّةٌ مـــــثل بدرٍ منیر



فقاتل حتی قتل فاحتزوا رأسه، ورموا بالرأس نحو معسكر الحسین، فأخذت ا مه رأسه وقالت: أحسنت یا بنی یا سرور قلبی یا قرّة عینی، ثم رمت براس ولدها وأخذت عمود الخیمة وحملت علیهم وهی تقول:



أنـــــا عـــــجوز سیدی ضعیفة

خــــــاویة بــــــالیة نحـــــــیفة



أضـــــربكم بضــــــربةٍ عنــیفة

دون بــــــنی فـــاطمة الشریفة



فأمر الحسین بصرفها ودعا لها.

ثم برز وهب بن عبدالله الكلبی، وكان نصرانیاً ومعه أمه وزوجته فأسلموا علی ید الحسین فی أثناء الطریق ورافقوه إلی كربلاء، فأقبلت أمه وقالت: یا بنی قٌم وانصُر ابن بنت رسول الله.

فقال: أفعل یا أماه ولا أقصّر، فبرز وهو یقول:



إن تنـــــكرونی فأنا ابن الكلبی

ســـوف ترونی وترون ضربی



وسطوتی وجولتی فی الحرب

فقتل جماعة منهم، ثمّ رجع إلی أمّه وقال: یا أماه ارضیِ عنّی؟

فقالت: ما رضیتُ حتی تقتل بین یدی الحسین، فقالت امرأته: بالله علیك لا تفجعنی فی نفسك، فقالت أمه: أعزب عنها ولا تقبل قولها، وارجع وقاتل بین یدی ابن بنت رسول الله تنل شفاعة جدّه یوم القیامة.

فرجع فلم یزل یقاتل حتی قتل تسعة عشر فارساً وعشرین راجلاً، ثم قطعت أصابع یده، وأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهی تقول: فداك أبی وأمی! قاتل دون الطیّبین حرم رسول الله، فاقبل كی یردّها إلی النساء فأخذت بجانب ثوبه وقالت: لن أعود أو أموت معك، فقال لها: كنت تنهیننی عن القتال والآن تحرّضیننی؟ قالت: یا وهب لقد عفتُ الحیاة منذ سمعت نداء الحسین ینادی وا غربتاه وا قلّة ناصراه، أما من ذابّ یذبّ عنّا؟ أما من مجیر یجیرنا؟

ثم استعان وهب بالحسین وقال سیدی ردّها، فقال الحسین: جزیتم من أهل بیت خیراً، إرجعی إلی النساء یرحمك الله، فانصرفت، وقتل وهب ورموا برأسه إلی عسكر الحسین، فأخذت أمّه الرأس فقبّلته وجعلت تمسح الدم من وجهه وهی تقول: الحمد لله الذی بیّض وجهی بشهادتك ـ یا ولدی ـ بین یدی أبی عبدالله الحسین. ثم رمت بالرأس وأخذت عمود الخیمة فقال لها الحسین: ارجعی یا أم وهب أنت وابنك مع رسول الله (صلّی الله علیه وآله).

فذهبت امرأته تمسح الدم والتراب عن وجهه وهی تقول: هنیئاً لك الجنّة. فبصر بها شمرٌ فأمر غلامه فضربها بعمود فقتلها، هی أول امرأة قتلت فی عسكر الحسین.

ولم یزالوا كذلك حتی دخل وقت الظهر، فجاء أبو تمامة الصیداوی وقال: یا أبا عبدالله أنفسنا لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، لا والله لا تقتل حتی أقتل دونك... وأحبّ أن ألقی الله عزّ وجلّ وقد صلّیت هذه الصلاة معك.

فرفع الحسین رأسه إلی السماء وقال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلین الذاكرین، نعم هذا أول وقتها، ثم قال (علیه السلام): سلوا هؤلاء القوم أن یكفّوا عنّا حتی نصلّی، فأذّن الحسین بنفسه، وقیل: أمر مؤذّنه لیؤذّن، ثم قال الحسین: ویلك یابن سعد أنسیت شرائع الإسلام؟ اقصر عن الحرب حتی نصلّی وتصلّی بأصحابك ونعود إلی ما نحن علیه من الحرب، فاستحی ابن سعد أن یجیبه، فناداه الحصین ابن نمیر ـ علیه اللعنة ـ قائلاً: صلّ یا حسین ما بدا لك فإن الله لا یقبل صلاتك.

فأجابه حبیب بن مظاهر: ثكلتك أمك، ابن رسول الله صلاته لا تقبل وصلاتك تقبل یا خمّار؟!

فقال الحسین لزهیر بن القین وسعید بن عبدالله: تقدّما أمامی حتی أصلّی الظهر. فتقدّما أمامه فی نحو نصفٍ من أصحابه حتی صلّی بهم صلاة الخوف، وسعید تقدّم أمام الحسین فاستهدف لهم فجعلوا یرمونه بالنبال كلّما أخذ الحسین یمیناً وشمالاً قام بین یدیه فما زال یرمی إلیه حتی سقط علی الأرض وهو یقول: اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود، اللهم أبلغ نبیّك عنی السلام. وأبلغه ما لقیت من ألم الجراح فإننی أردت بذلك نصرة ذرّیة نبیّك ثم مات رحمه الله.

وخرج حبیب بن مظاهر وودع الحسین وجعل یقاتل وهو یقول:



أنا حبیـــــــب وأبـــــی مــظاهر

فـــــارس هیجاء وحرب تسعر



أنــــــتم عـــــدّ عــــــــدّة وأكثر

ونحـــــــن أوفــی منكم وأصبر



وأنـــــــتم عــــــند الوفاء أغدر

ونحــــــن أعـــلی حجّة وأظهر



فقتل اثنین وستین فارساً ثم قتل فبان الانكسار فی وجه الحسین، فقال الحسین: لله درّك یا حبیب لقد كنت فاضلً تختم القرآن فی لیلة واحدة.

وتقدّم زهیر بن القین وقاتل قتالاً لم یر مثله، ثم رجع ووقف أمام الحسین وجعل یضرب علی منكب الحسین ویقول:



فدتــــــك نـــــفسی هادیاً مهدیّاً

الیــــــوم ألقـــــی جــــدّك النبیّا



وحسنا والمرتضی علیّا

إلی آخر أبیاته، فكأنّه ودّع الحسین وعاد یقاتل حتی قتل مائة وعشرین رجلاً، ثم قتل رحمه الله، ووقف علیه الحسین وقال: لا یبعدك الله یا زهیر، ولعن قتلك لعن الذین مسخوا قردة وخنازیر.

وجاء عابس بن شبیب الشاكری ومعه شوذب مولی آل شاكر، فقال عابس: یا شوذب ما فی نفسك أن تصنع الیوم؟

فقال: ما اصنع! أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله حتی اقتل، فقال له عابس: ذلك الظنّ بك، أما الآن فتقدّم بین یدی أبی عبدالله حتی یحتسبك كما احتسب غیرك من أصحابه وحتی أحتسبك أنا، فإنه لا عمل بعد الیوم وإنما هو الحساب.

فتقدم شوذب واستأذن وقاتل وقتل.

وتقدّم عابس إلی الحسین سلّم علیه وقال: یا أبا عبدالله، والله ما أمسی علی وجه الأرض قریب أو بعید أعز علیّ ولا أحبّ إلیّ منك ولو قدرت أن أدفع عنك الضیق أو القتل بشیء أعزّ علی من نفسی ودمی لفعلته، السلام علیك یا أبا عبدالله، إشهد أنی علی هداك وهدی أبیك، ثم مشی بالسیف مصلتاً نحو القوم.

فصاح رجل من أهل الكوفة: هذا أسد الأسود هذا ابن شبیب. فأخذ عابس ینادی: إلا رجل ألا رجل؟ فلم یتقدّم إلیه أحد، فنادی عمر بن سعد:

إرضخوه بالحجارة، فرمی بالحجارة من كلّ جانب، فلما رأی ذلك ألقی درعه ومغفره خلفه، ثم شدّ علی الناس.

قال الراوی: فوالله لقد رأیته یطرد أكثر من مائتین من الناس، حتی اثخنه بالجرح ضرباً وطعناً ورمیاً وقتلوه رضوان الله علیه.

وأقبل جون مولی أبی ذر الغفاری یستأذن فی القتال، فقل الحسین: یا جون أنت فی إذن منی فإنما تبعتنا طلباً للعافیة، فلا تبتل بطریقنا، فقال جون: یابن رسول الله أنا فی الرخاء الحسُ قِصاعَكم وفی الشدّة أخذلكم؟! والله إنّ ریحی لنتن، وإن حسبی للئیم، وإن لونی لأسود، فتنفّس علیّ بالجنة فتطیب ریحی ویشرف حسبی ویبیّض وجهی، لا والله لا أفارقكم حتی یختلط هذا الدم الأسود مع دماءكم.

فأذن له الحسین فبرز یرتجز ویقول:



كیــــــف یری الكفّار ضرب الأسود

بالمـــــشرفیّ والقــــــنا المـــــسدّد



یذبّ عـــــــن آل النــــــبی أحـــــمد

یــــــذبّ عنــــــهم بـــاللسان والید



فقتل خمساً وعشرین رجلاً ثم قتل، فوقف علیه الحسین وقال: اللهم بّیض وجهه وطیّب ریحه، واحشره مع الأبرار، وعرّف بینه وبین محمد وآل محمد.

وخرج غلام تركی وهو یقول:



البــحر من طعنی وضربی یصطلی

والجوّ مـــــن نبلی وسهمی یمتلی



إذا حســــــامی فــــی یمینی ینجلی

ینــــــشقّ قــــلب الحاســـد المبخل



فقتل جماعة ثم سقط فجاءه الحسین وبه رمق یومی إلی الحسین، فبكی الحسین وبه رمق یومی إلی الحسین، فبكی الحسین واعتنقه ووضع خدّه علی خدّه، ففتح الغلام عینیه وتبسّم وفاضت نفسه.

ثم برز عمرو بن خالد الصیداوی وقال للحسین: یا أبا عبدالله جعلتُ فداك هممت أن الحق بأصحابك وكرهت أتخلّف فأراك وحیداً من أهلك قتیلاً، فقال له الحسین: تقدّم فإنا لاحقون بك عن ساعة، فقاتل حتی قتل، وبرز ابنه خالد مرتجزاً فقاتل حتی قتل.

ثم جاء حنظلة بن اسعد الشبامی فوقف بین یدی الحسین یقیه السهام والرماح بوجهه ونحره.

فقال له الحسین: یابن أسعد إنهم استوجبوا العذاب حین ردوا علیك ما دعوتهم إلیه من الحق. فقال: صدقت جعلت فداك أفلا نروح إلی الآخرة ونلتحق بإخواننا؟

فقال له الحسین: بلی، رح إلی ما هو خیر لك من الدنیا وما فیها وإلی ملك لا یبلی، فقال: السلام علیك یا أبا عبدالله، صلی الله علیك وعلی أهل بیتك، عرّف الله بیننا وبینك فی الجنّة، فقال الحسین: آمین آمین.

فاستقدم وقاتل قتال الأبطال وصبر علی احتمال الأهوال حتی قتل.

فبرز سعد بن حنظلة التمیمی، وقاتل قتال الأسد الباسل، وبالغ فی الصبر علی الخطب النازل، حتی سقط صریعاً بین القتلی وقد اثخن بالجراح، فلم یزل كذلك ولیس به حراك حتی سمعهم یقولون: قتل الحسین فتحامل، وأخرج سكّیناً من خُفّه وجعل یقاتلهم بها حتی قتل.

وخرج عمرو بن قرظة الأنصاری فاستأذن الحسین فأذن له، فقاتل قتال الأسد الباسل، وكان لایأتی إلی الحسین سهم إلا اتقّاه بیده، ولا سیف إلا تلقّاه بمهجته، فلم یكن یصل إلی الحسین سوء حتی اثخن بالجراح. فالتفت إلی الحسین وقال: یابن رسول الله أوفیت؟ فقال الحسین: نعم، أنت أمامی فی الجنة، فاقرأ رسول الله عنی السلام وأعلمه أنی فی الأثر.

وبرز جابر بن عروة الغفاری، وكان شیخاً كبیراً قد شهد مع رسول الله (صلّی الله علیه وآله) بدراً وحنیناً، فجعل یشدّ وسطه بعمامة، ثم شدّ جبینه بعصابة ثم رفعهما عن عینیه والحسین ینظر إلیه ویقولك شكر الله سعیك یا شیخ، فبرز وقاتل حتی قتل ثمانین رجلاً، ثم قتل.

وبرز عبدالله وعبد الرحمن الغفاریان فقالا: السلام علیك یا أبا عبدالله أحببنا أن نقتل بین یدیك فقال (علیه السلام): مرحباً بكما أدنوا منی؛ فدنوا منه وهما یبكیان فقال: یا بنی أخی ما یبكیكما؟ فوالله أنی ارجوا أن تكونا بعد ساعة قریری العین؟

فقالا: جعلنا الله فداك والله ما علی أنفسنا نبكی ولكن نبكی علیك، نراك قد أحیط بك ولا نقدر أن ننفعك، فقال الحسین: جزاكما الله یا بنی أخی بوجدكما ومواساتكما إیّای بأنفسكما أفضل جزاء المتقین، ثم استقدما وقالا: السلام علیك یابن رسول الله، فقال: وعلیكما السلام ورحمة الله وبركاته، وقاتلا حتی قتلا.